لماذا أصبح الأطفال في هذا الزمن (عصبيين)!
أ.نجلاء: ولنعلم أن الطفل دائما في مرحلة اختبار مع والديه..
الأطفال بهجة الحياة ورونقها الآسر.. ولكن عندما يغضب الأطفال تتحول الحياة إلى كومة هم ونكد..
ذلك السلوك الذي غالباً ما نجهل كنهه بسنواتهم العمرية الأولى، صراخهم وبكاؤهم واندفاعهم نحو الجدار والضرب بأرجلهم..
نحاول جاهدين لإرضائهم وغالباً نكسر غضبهم بالإهانة والضرب!
فالطفل يحتاج إلى ترويض وفهم غضبه ليتسنى للأبوين تحقيق وتوجيه ما يريده الطفل..
وحول ذلك التقينا أ.نجلاء عسيري، أخصائية نفسية ومستشارة بمركز آسية للاستشارات التربوية..
** ما هي الأسباب التي تثير غضب الطفل؟ وكيف نتعامل مع انفعالاته العنيفة؟
* يمثل العناد إحدى مشكلات الطفولة التي تسببها عدة عوامل متداخلة منها الوراثة "وهي الأقل تأثيرا والقابلة للصقل والتعديل" وَبيئة الطفل وَأساليب التربية الخاطئة ـ الضاغطة.
أما فيما يخص كيفية التعامل أو الاحتواء لهذه الانفعالات ففي ذلك اختلاف حسب عمر الطفل ونوع الموقف المثير للسلوك الغاضب.
لكن الأساس السليم للتعامل مع كل المواقف والفئات العمرية للطفل هي الهدوء والرويّة وعدم إبداء تصرفات تنم عن الغضب أو الحدة من قبل المربي وتفهم أسباب الغضب, وقبل أي شيء عدم الرضوخ لرغبات الطفل تحت ضغط السلوك الغاضب منه كي لايكون له وسيلة وعادة.
** هل يكتسب الطفل الغضب من الوالدين والبيئة المحيطة به؟
* بالطبع, فوجود الطفل بين أبوين أوبيئة تستخدم الغضب كأسلوب في التعامل والتواصل مع الطرف الآخر, سيجعل منه نسخة أخرى لأبويه أو أيا كان من الشخصيات العضوبة المحيطة به.
** كيف يروض الطفل الغاضب؟
* يمكن ذلك عن طريق امتصاص غضبه بذكاء من الأبوين اللذين يدركان احتياجاته الراهنة في هذا الموقف الضاغط, فأسباب غضب الأطفال متعددة وطرق احتوائها تختلف بحسب نفسية الطفل ورغباته (وهذا ماقصدته حين قلت بذكاء الأبوين اللذين يدركان احتياجاته الراهنة في هذا الموقف الضاغط) والجدير بالذكر أن عليهما تجنب إحاطته بالعاطفة الأبوية أثناء قيامه بالسلوك الخاطئ تحديدا, فلا بأس بتأجيله حتى يهدأ الطفل ويبدي سلوكا سليما كـ (تعديل ماأتلف أو الاعتذار من الشخص المعتدى عليه) فاحتواء الطفل عاطفيا أثناء تخريبه يُفقد لديه الشعور بمدى خطأه من جهة وقيمة الاحتواء العاطفي من جهة أخرى.
وكعامل مشترك لطرق التعامل مع كافة الأطفال في المواقف الغاضبة هو تجاهل السلوك الغاضب, وفورية احتواء ذات الطفل إذا هدأ ومحاورته بما يلائم مرحلته العمرية ومن ثم تدريبه على الاعتذار أو إصلاح ما أفسده, ذلك وإن تطلب وقتا لكنه سيساهم في القضاء على السلوك الغاضب "غير الطبيعي" أو تخفيفه بطريقة ملحوظة.
** كثيراً ما يثور الطفل أمام الآخرين... ما دور الوالدين إزاء تصرف ابنهم في مثل هذه المواقف المحرجة؟ (اذكري لنا مواقف مرت عليك تصف تصرفا صحيحا وآخر سلبيا من قبل الوالدين)؟
* يُمكن للمربي أخذ الطفل إلى مكان بعيد قليلا عن الآخرين كـ (غرفة أخرى مثلا) والتحدث معه بأسلوب يتوافق مع مرحلته العمرية, لأن حدوث نوبات الغضب أمام الآخرين لها عدة سلبيات كتدخل أحدهم تدخلا غير واع أو الانتباه الشديد من قبلهم بحيث يفهم الطفل أن ما يفعله من صراخ أو تخريب مثير للاهتمام أو الإعجاب.
من المواقف الخاطئة التي تحضرني هي (مانراه عادة في الأسواق حين يرتمي الطفل الغضوب في الأرض لأن والدته رفضت شراء مايريده, وكحلّ سريع تقوم الأم بتلبية طلبه وكأنها تقول استلقي يابني على الأرض وابدأ بالصراخ كي أشتري لك ماتريد).
ففي مثل هذه المواقف يجدر بالأم تجاهل سلوكه والانشغال قليلا أو التظاهر بالابتعاد المعقول الذي يشعره بأنها لن ترضخ لطلبه, وعليها مواصلة الانهماك بأي أمر آخر وعدم الاستعجال حتى ييأس الطفل من عودتها, عندها سيُفكر بطريقة أخرى لاستجداء موافقة الأم كاللحاق بها أو مخاطبتها, هنا ستحاول الأم إخباره بأنها لاتستطيع فهم مايقول لأنه يبكي ويصرخ, فعليه التحدث بهدوء كي تفهمه
ولنعلم أن الطفل دائما في مرحلة اختبار مع والديه, فهو إن وجد منهم استجابة لسلوكه الخاطئ ولو لمرة واحدة سيكون تعديل سلوكه أصعب وعلى الوالدين الاستمرارية والثبات وعدم اليأس.
** ما الطريقة التي يفهم بها الأبوان مشاعر الأطفال في حال غضبهم؟
* البدء بأنفسهم أولا, فالذات الغاضبة في أساسها يصعب عليها تعديل سلوك أطفال غاضبين, يجب أن تكون أساليب الأبوين في الأسرة خالية من الحدة أو أساليب الغضب ليبقوا نموذجا سليما أمام الطفل, كذلك تدريب الطفل على الإفصاح عن رغباته بالكلام أو الإيماءات المفهومة وليس بالبكاء أو الضرب أو الارتماء على الأرض, فتجاوب المربي مع هذه السلوكيات والرضوخ لها يُشعر الطفل أنها جسر العبور لكل مايريده, كذلك الفهم الجيد من المربي للأمور التي تعكر فعلا مزاج الطفل والأمور التي تثير لديه مشاعر الاستياء وبالتالي عدم تعريضه المقصود لها وتنبيه الأفراد الناضجين في الأسرة بمراعاة ذلك (وهذا مانسميه تهيئة بيئة أسرية تدعم تطور الطفل).
** بعض الآباء حتى يتخلص من غضب طفله يلبي له ما يريد أو يضربه ما سلبيات ذلك على شخصية الطفل؟
* ذلك بلا شك يرفع لدى الطفل استخدام آليات السلوك الغاضب, ويزيد من مشاعر العنف الداخلي الذي يفضي إلى الغضب الظاهري مع أفراد أسرته والآخرين.
** أذكري لنا خطوات عملية لتعليم الطفل الهدوء والاسترخاء في معظم أوقاته؟
* هناك الكثير من أساليب التربية والتعامل تجعل من الطفل أكثر قدرة على التكيف مع الحياة اليومية بلا غضب:
- تعزيز السلوك المرغوب من الطفل وتشجيعه بهدف رفع مفهوم الذات لديه.
- إيجاد أنشطة يومية تستقطب نشاط الطفل وتُنمي قدراته.
- مشاركة الأبوين وأفراد الأسرة للطفل في اللعب والحديث كي يستطيعوا مصادقته وبالتالي إيجاد قوة التأثير على سلوكه واتجاهاته وربح طاعته.
- إلزام الطفل بأساليب هادئة لا مشحونة لتسوية ما أفسده ليشعر بالمسؤولية.
- تحديد المتطلبات التي يرغبها المربي تحديدا واضحا كي يفهم الطفل ماذا عليه أن يفعل, مثاللا تقل للطفل كن مهذبا ولكن قل له اجلس جلسة صحيحة وتحدث بصوت هادئ).
- عدم محاسبة الطفل أو الانفعال عليه أمام الآخرين وإنما الابتعاد عن تواجد الناس والتحدث معه وحده في مكان بعيد عن ضجيج الآخرين كي لا نحفز لديه سلوك العناد, (مع الطفل يجب أن تكون مناقشة الخطأ ومجازاته فورية لأن التأجيل أو التهديد والوعيد لايعدل سلوكه وإنما يهدد طمأنينته فقط).
- تلبية طلبات الطفل المعقولة والمستطاعة مادامت لاتضر وعدم إغراقه الدائم بعبارات الرفض والإبعاد.
- محاولة إبعاد الطفل قدر المستطاع عن الأطفال الذين يظهرون السلوك الغاضب بشكل ملحوظ وحفه بآخرين تبدو عليهم سمات أكثر هدوءا .
** ما هي الأضرار الصحية والنفسية التي قد تصيب الطفل كثير الغضب؟
* للغضب سلبيات كثيرة أولها وأهمها عدم قدرته على الاستمتاع بمباهج الحياة, فالغضب يقلل قدرته على بناء العلاقات واللعب الجماعي مع أقرانه الأطفال, ويجعله معكر المزاج غالبا مما ينفر الآخرين كبارا وصغار من الاقتراب منه, والغضب يشتت انتباه الطفل ويستهلك طاقاته, وفيما يخص الحالة الصحية لايخفى على الكثير أن هناك دراسات أثبتت أن الغضب والخوف من أسباب إصابة كثير من الأطفال بمرض السكر.
** لماذا أصبح الأطفال في هذا الزمن (عصبيين )... ما الأسباب من وجهة نظرك؟
* برأيي: يجب أن نقول أفراد الأسر في هذا الزمن (عصبيون) كبارا قبل الصغار ومنها انحدر الأطفال الغضوبون.
الأسرة هي اللبنة الأساسية للمجتمع وما يعمل فيها ينعكس على أفرادها وبالتالي المجتمع ككل.
ونحن اليوم نعيش في عصر اتسم بالقلاقل الاجتماعية واهتزاز القيم واتساع الفجوة النفسية والاتصالية بين المربي وابنه, ذلك وأكثر أثر على الأسرة وأفرادها ومخرجاتهم, إلا أننا لا يجب أن نبقى مكتوفي الأيدي أمام مشكلات الطفولة وغيرها, فإنه ومع كل تلك المفارقات نحن أيضا في عصر التطور والعلم والاكتشاف, وتدخلنا المبكر كمربين لإصلاح الخلل يختصر الكثير من المصاعب في المراحل العمرية المستقبلية لأبنائنا ويحقق لهم الصحة النفسية بنسب مرتفعة.
** هل للتكنولوجيا الحديثة (ألعاب البلاستيشن - بلاك بيري - الإنترنت - قنوات الأطفال)... دور في زيادة العصبية عند الأطفال...؟
* كما جرت العادة (الشيء إذا زاد عن حده انقلب ضده) ومادمنا نتحدث عن الطفولة فهي مرحلة ما زالت تحت جناح المربي ويستطيع خلالها عمل كثير مما لا يملكه في المستقبل فالرقابة وتنظيم الوقت واختيار ما يقتنيه الطفل ومالا يقتنيه أمورٌ يمكن ضبطها في هذه المرحلة.
وبرأيي الخاص لا مشكلة فيما ذكر من التكنولوجيا الحديثة على غضب الطفل إن قُنّنَ استخدامها وتم اختيار محتواها بطريقة مدروسة واستطاع المربي جعلها أمورا تعزيزية تربوية تزيد من السلوك الإيجابي لدى الطفل.